75
شـظايا القذائـف أصابتنـي فـي وجهـي فسـقطت أرضـا, وقفـزت مـن حضنـي ابنتـي «شـهد» وهـي تصـرخ
:»مامـا، مامـا», فلـم أسـتطع أن أنقذهـا لأن جسـدي كان يحتـرق, ولـم أعـد قـادرة علـى رؤيـة أي شـيء,
مــن لهيــب الجحيــم, وكنــت أحــاول إطفــاء النــار
ً
فجمعــت مــا تبقــى مــن قوتــي وأخــذت فــي الزحــف فــرارا
التــي تلتهــم جســدي, ومــا إن رآنــي ابنــي «محمــود» حتــى أســرع ليســاعدني, فطلبــت منــه نجــدة أبيــه
إ خوتـه, فهـرع إلـى داخـل البيـت ولـم يسـتطع رؤيـة شـئ مـع كثافـة الدخـان ولهيـب النيـران، فرجـع إلـي
�
و
وقـال: «أنـا لا أرى إلا البـاب يحتـرق, ولـم يكـن يعلـم أن الجثـث هـي التـي تحتـرق, فأعـاد المحاولـة مـرة
أخــرى، ليجــد والــده وشــقيقه «حمــزة» قــد تفحمــا, أمــا «زيــد» فقذفــه القصــف إلــى الغرفــة المجــاورة بعــد
أن اخترقـت القذيفـة الجـدار الـذي كنـا نتكـئ عليـه, و لـم يتمكـن إلا مـن لـف أجسـادهم المحترقـة بغطـاء
فاحتـرق الغطــاء أيضـا.
كان المشـهد مهـولا، فقـد انفصـل رأس زوجـي عـن جسـده, وكذلـك رأس ابنـي «عبـد الرحيـم», أمـا زوجـة
ابنـي «محمـد» «غـادة» وابنتهمـا «فـرح» فقـد أصيبتـا بحـروق بالغـة، لينقـ إلـى المستشـفى، وبعـد شـهرين
استشـهدت زوجـة ابنـي «غـادة» وبقيـت ابنتهـا فـرح تصـارع الحـرق، كمـا أصيـب ابنـي «يوسـف» وزوجـة
ابنـي «ميسـاء» بحـروق, ولـم يسـلم مـن أولادي إلا «محمـد», و»أحمـد», و»محمـود», أمـا ابنـي «عمـر»
فقـد تعمـد جنـدي إسـرائيلي إطـ ق النـار عليـه فأصابـه فـي كتفـه.
وضعنـا الشـهداء فـي شـاحنة صغيـرة وبقيـت معهـم, أمـا ابنـي محمـد وزوجتـه وابنتـه فقـد ركبـوا مـع أبنـاء
آخــر, أكملــت طريقــي وبعــض أبنائــي ومعنــا الشــهداء إلــى أن
ً
عمهــم فــي شــاحنة أخــرى وســلكوا طريقــا
وصلنــا إلــى دوار العطاطــرة, وهنــاك أوقفنــا جنــود الاحتــ ل, وأجبرونــا علــى النــزول، فتقدمــت جرافــة
إســرائيلية، لتقلــب الشــاحنة بمــن فيهــا مــن جثــث الشــهداء وتدفنهــا تحــت التــراب، وبقيــت الجثــث علــى
حالهــا لأكثــر مــن أســبوعين، إلــى أن تحللــت.
وبعـد كل مـا حـدث، أفلتنـا مـن المـوت بأعجوبـة، وتوجهنـا لمستشـفى «كمـال عـدوان», ومـا إن وصلـت
حتــى أغمــي علــي, ولخطــورة حالتــي نقلونــي إلــى مستشــفى الشــفاء، ومكثــت هنــاك لأســابيع فــي عــ ج
وعــذاب أليــم، وتفاجــأ الأطبــاء مــن نــوع وشــدة الحــروق التــي أصابتنــي، حتــى أن أحــد الأطبــاء
ٍ
مضــن
هـش حينمـا عـاد ليطمئـن علـى حالتـي بعـد أكثـر مـن عشـر سـاعات، ليجـد الدخـان لا زال ينبعـث مـن
ُ
د
جسـدي.
وبعــد جــ ء جنــود الاحتــ ل عــن منطقتنــا، رجعنــا إلــى البيــت المحتــرق ومعــه كل مــا جمعنــاه طيلــة
حياتنــا، ووجدنــا علــى الجــدران الســوداء رســومات مشــينة, رســمها جنــود الاحتــ ل وأحاطوهــا بكلمــات
بذيئــة».
:
137
والدة الشهيد «مطر» «نبيلة كمال أبو حليمة» (83عاما), تروي تفاصيل اللحظات الصعبة
متواصـ , ولـم يكـن أحـد يسـتطيع
ً
للطائـرات الحربيـة الصهيونيـة, وقصفـا
ً
مكثفـا
ً
«شـهد ذاك اليـوم تحليقـا
النـزول إلـى الشـارع, وكانـت بيوتنـا خاويـة, فقـد نفـد الغـاز والمـاء, وعنـد السـاعة الثانيـة والنصـف ظهـرا,
اشــتد الجــوع بــأولادي, فخاطــرت بحياتــي وحيــاة ابنــي محمــد (31عامــا), ونزلنــا إلــى الطابــق الســفلي,
حيـث يوجـد بعـض الحطـب, فأعـددت مـا يسـد الرمـق، وسـاعتها اشـتد إطـ ق الرصـاص، فاختـرق جـدار
الغرفـة التـي كنـا نجلـس فيهـا, فهربنـا واختبأنـا فـي الشـرفة غيـر آبهيـن بقسـوة البـرد.
يـوم الخميـس 9002/10/62, فـي منزلهـا فـي حـي السـيفا، منطقـة العطاطـرة فـي بيـت لاهيـا،
،»
- مقابلـة مـع «نبيلـة كمـال أبـو حليمـة
137
شــمال قطــاع غــزة.