84
:
145
(83عاما) تروي تفاصيل الجريمة
»
الزوجة «نسرين أبو الجديان
ركام يغمر الجثث
فـي يـوم الأحـد، ازدادت الأوضـاع الأمنيـة سـوءا، واشـتد القصـف
ً
«قبـل حادثـة القصـف بيـوم وتحديـدا
المدفعـي بالقـرب مـن بيتنـا، ولأن معظـم منـازل جيراننـا المحيطـة بنـا مـن الأسبسـت، خافـوا مـن تطايـر
بعـض الأجـزاء مـن منازلهـم فـوق رؤوسـهم, فاضطـروا إلـى مغادرتهـا واللجـوء إلـى منزلنـا للاحتمـاء بـه،
وقـد تجمـع فـي منزلنـا أكثـر مـن ثلاثيـن فـردا بالإضافـة إلـى أفـراد عائلتنـا.
البيـت بقـوة لدرجـة أننـا اعتقدنـا أن القصـف كان
َّ
وفـي ليـل ذلـك اليـوم حـدث قصـف مقابـل لمنزلنـا، فاهتـز
فـي المنـزل، فنـزل «أبـو محمـد» ليـرى مـا حـدث, فوجـد أشـ ء متناثـرة لشـهيدين، ودماؤهـم علـى جـدران
المنـزل، فتضايـق زوجـي بشـدة مـن قسـوة المنظـر.
وفــي اليــوم التالــي وبعــد هــدوء الأوضــاع نســبيا عــاد الجيــران إلــى منازلهــم, وأذكــر فــي ذلــك اليــوم أنــي
مــن المجهــول، ولا أدري
ً
جلســت أتحــدث مــع زوجــي عــن وضــع الحــرب، وقلــت لــه أننــي خائفــة جــدا
يحمينـا، وبعـد ذلـك الحديـث
ٌّ
بـأن توكلـي علـى الله وأن لنـا رب
ّ
مـا سـيحل بعائلتنـا فيهـا، فـكان رده علـي
مـن حـدوث أي شـيء, وكعادتـه قـام «أبـو محمـد» ليطمئـن
ً
وتحسـبا
ً
بسـاعات نـام الأولاد فـي غرفتنـا خوفـا
عليهـم قبـل نومـه ويغطيهـم ويقبلهـم، وبعدهـا خلدنـا للنـوم.
ى انفجـار قـوي, فاسـتيقظت فزعـة ولـم أتمكـن مـن رؤيـة شـيء لكثافـة الغبـار, لـم أكـن
ّ
وبعـد سـويعات دو
أعلـم مـكان القصـف، فـي بدايـة الأمـر ظننـت أنـه فـي الأرض المجـاورة لبيتنـا, وأن جـدار الغرفـة قـد سـقط
مــن شــدته, لــم يخطــر ببالــي أن منزلنــا هــو المــكان المســتهدف، وجــدت نفســي تحــت الــركام, فنظــرت
مـن حولـي فـإذا بـي خـارج محيـط المنـزل المهـدم بالقـرب مـن الشـارع، فرفعـت يـدي حتـى يرانـي مـن جـاء
لينتشـلنا مـن تحـت الأنقـاض، وكان الغبـار شـديدا, وكنـت التقـط أنفاسـي بصعوبـة بالغـة.
كانــت النيــران مشــتعلة بشــدة, كان ذلــك المشــهد كابوســا، ســمعت صــوت صــراخ
ً
وشــمالا
ً
التفــت يمينــا
علـى بقايـا أحـد أعمـدة المنـزل، ورأيـت الآخـرى فاقـدة للوعـي بيـن
ً
لإحـدى بناتـي فتتبعتـه لقـد كانـت معلقـة
الــركام لا يــرى منهــا ســوى قدماهــا، فصرخــت بشــدة «إســعاف، إســعاف»، وكان الظــ م شــديدا، بعدهــا
جـاء عـدد مـن أبنـاء جيراننـا يحملـون مصابيـح ضوئيـة، رأونـي وأنـا ألـوح بيـدي, فقلـت لهـم:» أولادي ماتـوا
مـن
ً
اذهبـوا إليهـم، وأشـرت لهـم إلـى موقـع إحـدى بناتـي وهـي «مـروة»، وقلـت لهـم سـيروا بحـذر - تحسـبا
أن يمشوا فوقها لأن الركام كان يحول دون رؤيتها- حتى اقتربوا منها ورفعوا الحجارة المتراكمة فوقها.
بينمــا كانــت ابنتــي «حــ » قــد طــارت مــن ســريرها ووقعــت علــى أحــد الجــدران، وكانــت تصــرخ وتبكــي
بشـدة، أمـا ابنتـي الكبـرى «عـ » فكانـت تنـادي علـي بصـوت خافـت بالـكاد كنـت أسـمعه «ماما..مامـا
..أنـا هنـا طـرت... ومسـكت الخشـبة.. لحتـى مـا أوقـع».
أمـا «محمـد» فقـد سـقط عمـود مـن الاسـمنت فوقـه وكان دمـه ينـزف بشـدة، وبصعوبـة بالغـة تـم انتشـاله
مــن تحــت العمــود، لقــد كان يحمــل بيــده مطويــة أذكار كان يرددهــا قبــل نومــه، أمــا حماتــي فقــد ســقط
فوقهـا جـدار مـن جـدران المنـزل.
نظـرت إلـى زوجـي وجدتـه جاحـظ العينيـن, وقلـت لـه: أأنـت بخيـر؟؟ ولـم يكـن يـرد علـي، لـم أكـن أتوقـع
- مقابلــة مــع «نســرين أبــو الجديــان»، يــوم الســبت 9002/50/61, فــي منزلهــا المســتأجر بجــوار أســتوديو الســلطان، بالقــرب مــن نــادي
145
خدمــات جباليــا, فــي مخيــم جباليــا.