88
رأسـي ونظـرت إلـى المنـازل المجـاورة و كان منزلنـا دائمـا شـامخا فلـم أره, مشـيت قليـ فرأيـت عمارتنـا
بعـد عيـن، ومـن شـدة هديـر الطائـرات لـم يتجـرأ النـاس علـى التقـدم نحـو
ً
المكونـة مـن أربعـة طوابـق أثـرا
ــرت عليهــم تقدمــوا وبــدأوا يشــاركونني فــي
ُ
الأنقــاض لكــي نبحــث عــن الأحيــاء منهــم، ولكــن بعــد أن ث
فـي الأرض
ً
انتشـال الجثـث، فوجـدت أخـي «عامـر» يتنفـس، وفوجئـت بـأن الطابـق الأرضـي هبـط عميقـا
نحـو عشـرة أمتـار، وبقينـا مـع فـرق الإنقـاذ نسـتخرج الجثـث حتـى مسـاء اليـوم التالـي، ولـم
ٍ
علـى عمـق
نتمكــن مــن التعــرف عليهــم جميعــا، لأن ملامــح بعضهــم كانــت قــد مســحت، بعــد أن أصبحــوا أشــ ء،
ومـن ثـم نقلناهـم فـي شـاحنة إلـى مثواهـم الأخيـر».
: ليلة الجريمة
150
«رضا» يروي
«كنــت مســاء يــوم الاثنيــن فــي المنــزل وكان أفــراد عائلتــي بداخلــه, وكنــت أحــدق فــي كل واحــد منهــم
بنظـرات لـم أكـن أعلـم أنهـا نظـرات الـوداع، وفـي الوقـت ذاتـه كان شـقيقي التـوأم رضـوان يبادلنـي نظـرة
وكأنهــا نظــرة الــوداع أيضــا.
خرجــت مــن منزلنــا إلــى منــزل صديقــي القريــب مــن منزلنــا، وقضيــت ليلتــي عنــده, وكانــت ليلــة ســاخنة
حيث اشـتد القصف فيها بكل أشـكاله, وكنت أشـعر بداخلي أن شـيئا ما سـيحصل, وفي سـاعات الفجر
ى انفجــار بالمنطقــة، فــي بدايــة الأمــر ظننــا أنــه منــزل
َّ
ســمعت صــوت صواريــخ الاحتــ ل تتســاقط ودو
ـوي بـالأرض.
ُ
لأجـد أن منـزل عائلتـي قـد س
ً
جيراننـا، فخرجـت مسـرعا
لقـد كانـت فاجعـة ..فاجعـة كبيـرة، ورغـم ذلـك كانـت أول كلمـة نطقـت بهـا هـي حسـبنا الله ونعـم الوكيـل,
ثــم اقتربــت مــن المنــزل وأنــا أصــرخ:» هــل مــن أحــد حــي؟؟ كنــت لحظتهــا أدرك أن الجميــع قــد رحلــوا
بـالأرض، لكنـي
ً
لأن جميعهـم كانـوا يجلسـون بالطابـق السـفلي مـن المنـزل والـذي وجدتـه قـد هبـط عميقـا
كنـت علـى أمـل أن يجيبنـي أحـد.
أخــي التــوأم «رضــوان» كان لــه مكانــة خاصــة عنــدي تختلــف عــن ســائر إخوتــي، ولأننــي أعــرف أيــن
ينـام رضـوان بالضبـط، ذهبـت إلـى حيـث توقعـت فوجدتـه حيـا, لكـن للأسـف بقـي فـي العنايـة المشـددة
لأربعـة أيـام ثـم استشـهد بعدهـا.
فـي ذات الصـف حتـى المرحلـة الثانويـة،
ً
لـم نكـن أنـا ورضـوان نفتـرق عـن بعضنـا البعـض، وبقينـا معـا
ثــم التحقــت بالقســم العلمــي، وهــو اختــار «الأدبــي»، ولقــد كنــا كبقيــة أخوتــي نلتــزم بالتربيــة الإســ مية،
وأقصـى أملنـا بـأن يرضـى الله عنـا.
أذكـر آخـر موقـف لـي مـع والدتـي الحنونـة, حيـث كان المسـاء الأخيـر الـذي قضيتـه معهـا لا ينسـى، فقـد
كان يجتمــع أحفادهــا الصغــار حولهــا، وهــي تعــد الخبــز علــى «البابـور»، وتحشــو لهــم الساندويتشــات،
ت أن تعطينـي شـطيرة خبـز، وقالـت لـي: «الله يسـهل عليـك».
َّ
مـن أمـري، فأصـر
ٍ
و كنـت علـى عجلـة
11- عائلة أبو زنيد:
بصــاروخ
ً
اســتهدفت صواريــخ الاحتــ ل الإســرائيلي «عائلــة أبــو زنيــد» عنــد الســاعة التاســعة صباحــا
مـن: «مآثـر محمـد أبـو زنيـد» (42عامـا), وابنـة عمهـا «فاتـن عبـد العزيـز أبـو
ً
استشـهد علـى إثـره كلا
زنيـد» (33عامـا), وقـد كانـت العائلـة فـي طريقهـا إلـى إحـدى مـدارس «وكالـة غـوث للاجئيـن» للاحتمـاء
أمام بيته المدمر، يوم الاثنين 9002/20/20, في حي الزيتون بمدينة غزة.
- مقابلة مع «رضا فايز الداية»
150