58
علــى «حمالــة» فصرخــت: «أبــوك يــا إبراهيــم, أبــوك
ً
وأثنــاء حديثــي مــع ولــدي، رمقــت زوجــي مســتلقيا
يــا إبراهيــم», واندفعــت نحــوه, حســبته فــي البدايــة أنــه لا زال علــى قيــد الحيــاة, إلــى أن اختــرق مســمعي
صــوت أحــد الأطبــاء وهــو يقــول: «ضعــوه فــي الثلاجــات, لــم أصــدق مــا ســمعت, صرخــت, وأخــذت
أردد:» أعطونـي زوجـي, دعـوه يذهـب معنـا إلـى البيـت واتركـوا المـكان لغيـره», وابنـي «إبراهيـم» يحـاول
عــن ثلاجــات الموتــى.
ً
العــودة بــي إلــى الخلــف بعيــدا
نجــح ولــدي فــي العــودة بــي إلــى صالــة الاســتقبال والطــوارئ فــي المستشــفى، وهنــاك وقــع نظــري علــى
أبنـاء جيرتنـا، وهـم يحملـون علـى أكتافهـم جثـة شـهيد، حاولـت الاقتـراب منهـم، ومـا إن رأونـي حتـى بـدأوا
يتراجعـون فـي خطاهـم، تسـاءلت فـي نفسـي: لمـاذا هـذا التصـرف؟، بعدهـا غطـوا وجـه الشـهيد، وطلبـوا
مــن أشــخاص آخريــن لا أعرفهــم أن يكملــوا المســير فــي جثــة الشــهيد، ومــا أن مــروا مــن أمامــي، قلــت
لجارتنــا التــي كانــت بجانبــي:»كأن الشــهيد ولــدي «رائــد»، فقالــت:« لا تقولــي ذلــك, فجــاء زوج الجــارة
وهمـس فـي أذنهـا، فشـهقت شـهقة انقبـض قلبـي معهـا، فألحـت علـي، وذهبـت بـي إلـى البيـت».
وفـور وصولـي إلـى البيـت صليـت المغـرب, ورجـوت الله أن يمنحنـي القـوة والصبـر، وفـي تلـك اللحظـة،
سـمعت الشـباب فـي الخـارج يهتفـون باسـم ولـدي رائـد, والجـارات يبـدو علـى ملامحهـن الارتبـاك, قفـزت
مـن أمامـي ابنـي
َّ
مـن مكانـي أسـألهن: أيـن رائـد؟، فأجابتنـي إحداهـن أنـه مـع الرجـال فـي الخـارج, فمـر
«محمـد «(81عامـا)، فقلـت لـه:» رحـم الله والـدك، ورجوتـه أن يخبرنـي عـن مـكان أخيـه «رائـد»، فـرد
علـي أن اصبـري واحتسـبي، وأخبرنـي بـأن رائـد قـد استشـهد مـع والـده».
5- عائلة حجي :
اسـتهدفت صواريـخ الاحتـ ل منـزل «عائلـة حجـي» فـي حـي الزيتـون شـرق مدينـة غـزة, مـا أسـفر عـن
استشـهاد الأب «محمـد أميـن حجـي» (73 عامـا), وابنتـه الطفلـة «شـهد محمـد حجـي» (3أعـوام).
:
118
«عبير حجي» زوجة الشهيد تروي
ل الاحتـ ل باحـة منزلنـا إلـى
ّ
«لقـد كانـت مـن أصعـب اللحظـات التـي مـرت علـي فـي حياتـي, فقـد حـو
سـاحة إعـدام أريقـت فيهـا دمـاء زوجـي وابنتـي, ففـي أول ليلـة مـن ليالـي الاجتيـاح البـرى اخترنـا أن ننـام
فـي غرفـة بالقـرب مـن بيـت الـدرج, وكان اعتقـادي أنهـا آمنـة وأننـا نسـتطيع الاحتمـاء فيهـا مـن غـدر جنـود
الاحتـ ل, وقررنـا قضـاء تلـك الليلـة فيهـا.
يتطايـر حولنـا مـن زجـاج
ٍ
شـيء
ُّ
وبعـد أن خلـد أطفالـي الصغـار إلـى النـوم, حـدث الانفجـار وأصبـح كل
وشـظايا, وعلـى وجـه السـرعة حملـت وزوجـي أطفالنـا وانتقلنـا إلـى الغرفـة المجـاورة, إلا أن قذيفـة أخـرى
كانـت أسـرع مـن خطانـا, فحجبـت عنـي الرؤيـة، ولـم أكـن أرى سـوى الغبـار الأسـود والدخـان, وتعالـت
، إذ بعينـي تصطـدم بمنظـر زوجـي وهـو غـارق فـي الدمـاء،
ً
صيحـات أبنائـي, ومـا إن زال الغبـار قليـ
وكان يحتضـن أولاده بيـن ذراعيـه.
أصيـب زوجـي وابنتـي «شـهد» وبقيـا ملقيـان علـى الأرض, و لـم تشـفع لهـم صرخـات الاسـتغاثة التـي كنـا
نوجههـا, فقـد منـع جنـود الاحتـ ل سـيارات الإسـعاف والصليـب الأحمـر مـن التوجـه إلينـا, وظـل زوجـي
ينـزف حتـى المـوت, ثـم التحقـت بـه ابنتنـا «شـهد» فـي صبـاح اليـوم الثانـي, ويؤلمنـي جـدا أنـي لـم أتمكـن
مـن احتضـان طفلتـي لحظـة استشـهادها حيـث كانـت تنادينـي مامـا.. مامـا...».
- مقابلة مع «عبير حجي»، يوم الخميس 9002/20/62, في منزلها الكائن بحي الزيتون، شرق مدينة غزة.
118