138
مناشدات وفقط
ومـع انتصـاف الليـل اتصلـت بـي قنـاة الجزيـرة مـن الدوحـة وطلبـوا منـي توجيـه مناشـدتي, وكان «إبراهيـم»
يتنفـس فـي تلـك الأثنـاء, وعندمـا أنهيـت مناشـدتي لـم أعـد أسـمع صـوت تنفسـه, فظننـت انـه قـد غفـي أو
نـام, فناديـت عليـه اسـأله كالعـادة إن كان يشـعر بالبـرد, ولـم يجب...وضعـت يـدي علـى جبهتـه وكانـت
دافئـة, ثـم وضعـت كفـي بالقـرب مـن فمـه فلـم أشـعر بنفسـه , فأيقنـت أنـه قـد قضى...ذهـب «إبراهيـم»...
فــي الطريــق والثانــي علــى مقعــد الســيارة
ً
ذهــب «كســاب» يــا ولــداه ...ذهــب الاثنــان ..الأول ملقــى
الأمامـي, واتصـل بـي كثيـر مـن الأفـراد والإذاعـات والمؤسسـات , فقلـت لهـم جميعـا «أنـا أنـا بخيـر أمـا
ولـداي فاستشـهدا, إن حقـوق الإنسـان هنـا غيـر موجـودة, سـوف أمـوت مـن البـرد ومـا عـاد يهمنـي المـوت
بحـد ذاتـه لأننـي لسـت أفضـل مـن أبنائـي الذيـن ماتـوا أمامـي, إن الألـم الـذي أعانيـه أقسـى مـن المـوت،
أتمنـى أن أمـوت وأسـتريح».
أكملوا المهمة
صرخـت فـي الجنـود, وكانـوا قـد نزلـوا مـن المنـزل الـذي يحتلونـه , وكانـوا قرابـة الثلاثيـن جنـدي بكامـل
؟؟ أجهـزوا علـي,
ً
عتادهــم, غابـوا حوالــي الســاعة ثـم عــادوا, فصرخـت فــي وجوههــم «لمــاذا تبقـون علـي
أريحونـي هيـا, مجـرد طلقـة لـن تكلفكـم سـوى ضغطـة واحـدة علـى الزناد..افعلهـا يـا جبـان», فلـم يعرنـي
أحدهـم اهتمامـا, فلـم يعـد يعنيهـم مـا أقـول وقـد فعلـوا مـا فعلـوا وعلـى مـرأى أعينهـم جثـث ولـداي, فهـم
أيقنـوا أنهـم قـد حققـوا الهدف...قتلـوا أبنائـي... قتلـوا الشـباب...قتلوا الوطـن...
أي جند أنتم يا متحضرين
فــي الســاعات الأولــى مــن صبــاح الســبت 71/1/9002, لــم أعــد أطلــب المســعفين ولــم أعــد أتعجــل
(101) أو غيــره, بــل كنــت أتعجــل اللحــاق بــأولادي ســواء بســبب النــزف أو بســبب البــرد، فلســت أوفــر
حظــا منهمــا, ومــا عــدت أتصــل علــى أحــد, ولكنــي كنــت فقــط المســتقبل وكنــت أجيــب علــى الذيــن
يتصلــون بــي لا أريــد إســعاف, لا أريــد إســعافات, أريــد فقــط نقــل جثــث الشــهداء, أريــد فقــط القصــاص
مــن الذيــن قتلــوا أبنائــي.
جلسـت مـع نفسـي وأسـندت رأسـي علـى ظهـر المقعـد الـذي أجلسـت عليـه ولـدي إبراهيـم وأخـذت أنـادي
إ براهيـم لا يجيـب, كنـت أعلـم انـه لـن يجيـب فإبراهيـم ذهـب ولـن يعـود.
�
علـى إبراهيـم و
لقــد وردنــي مــن خــ ل أحــد الشــهود الذيــن كانــوا محتجزيــن فــي ذلــك المنــزل الــذي كان يعتليــه الجنــود
الإســرائيليين, واســمه «فايــز أبــو تيلــخ» (52ســنة), وكان يفهــم «العبريــة « وفهــم مــن حديــث الضابــط
مـع الجنـود أنهـم كانـوا علـى علـم بـأن مـن يسـتقل السـيارة مدنييـن ومـع ذلـك صـدر الأمـر منـه بتصفيـة
ركابهـا.
ولقــد كان بالوحــدة المتخفيــة داخــل البيــت طبيبــان طلبــا مــن الضابــط أن يســعفا المصابيــن، إلا أن
كتشــف أن الأمــر لا يتعلــق
ُ
الضابــط رفــض بدعــوى أنهــم لا يريــدون أن يتحملــوا المســؤولية حيــن ي
لمؤسســتهم الحضاريــة!!
ً
إ نمــا قتــل للمدنييــن وذلــك يســبب حرجــا
�
بمحاربيــن، و