137
الظــ م وصــار يرتجــف مــن شــدة البــرد, ويقــول: «أشــعر بقــرب النهايــة يــا أبتــي», فقلــت لــه:» لا تقــل
هـذا يـا ولـدي إصابتـك فـي السـاق أسـفل الركبـة وهـي ليسـت قاتلـة», فسـألني عـن إصابتـي فأجبتـه بأنـي
منـه, وألبسـته معطفـي «الجاكيـت» الملـيء بدمائـي, وأسـندت ظهـري إلـى الحائـط, ومـددت
ً
أحسـن حـالا
قدمـاي ووضعـت رأسـه علـى فخـذي كـي يكـون أقـرب منـي ويستشـعر بعـض الدفـيء, لكنـه كان ينتفـض,
وعندهـا قـال لـي» يـا أبتـي أنـت تتأثـر مـن البـرد فخذنـي إلـى السـيارة ربمـا أشـعر ببعـض الـدفء بداخلهـا,
ومـا إن هممـت برفعـه حتـى صـاح بنـا أحـد الجنـود وقـال: «ابتعـد سـوف أطلـق عليـك النار»,فلـم أعـره
اهتمامــا هــذه المــرة , وصرخــت بــكل اللغــات التــي أعرفهــا «ائتونــي بمســعف, ائتونــي بطابيــة, ائتونــي
بمـا أربـط بـه سـاق الجريـح, ائتونـي يـا متحضريـن بـأي مسـاعدة», وتلقيـت إجابـة واحـدة وفقـط « أطلـب
الأمبيولانـص» فشـعرت بأنـه إذن باسـتخدام هاتفـي الخلـوي.
أنـا الآخـر كنـت أرتجـف مـن شـدة البـرد, وكان جسـد «إبراهيـم» يهتـز وينتفـض مـن شـدة البـرد والنزيـف,
ولـم أكـن أسـمع إلا أصـوات جنازيـر الدبابـات, أو البلـدزورات التـي كانـت تهـدم بيـوت النـاس وأشـجارهم
فـي المنطقـة, وأدخلتـه إلـى السـيارة, ثـم ألقيـت بكيـس الغسـيل الغيـر نظيـف إلـى ولـدي وقلـت لـه: «توسـد
هـذا يـا ولـدي», وقـد أخرجـت بعـض الملابـس أدثـر جسـده وسـاقه بهـا, و كنـت أجلـس بالمقعـد الخلفـي
وهــو بالمقعــد الأمامــي, فأســندت رأســي علــى مقعــده, وأخــذت أفــرك بأصابعــي علــى جســده المرتعــش,
وكنـت أسـأله كل خمـس دقائـق «هـل تشـكو مـن بـرد أو ألـم» و كان يقـول اطلـب إسـعاف أو 101, وقـد
كنـت فـي حالـة سـيئة, لكنـي لـم أهتـم لنفسـي, وكنـت أحـس بالدمـاء تنـزف مـن يـدي, وقـد بللـت ملابسـي,
وكان كل همـي حيـاة ابنـي, ولـم أكـن أعـرف مـدى خطـورة إصابتـه, فقـد كانـت أسـفل الركبـة, وبـدأت يـداي
ترتعشـان, وشـعرت بالخـدر فـي يـدي اليسـرى وفـي أطـراف الكـف والأصابـع.
ومـع حلـول السـاعة الثامنـة تلقيـت اتصـالات مـن إذاعـات محليـة, وجهـات قالـت أنهـا مـن أجـل حقـوق
الإنسـان, وكان ندائـي للجميـع «أنقذونـا نحـن خلـف موقـع دبابـات وأمامـي مجموعـة مـن القناصـة, وكان
بإمكانهـم تقديـم العـون لنـا, ولكنهـم لـم يقدمـوا لنـا سـوى القتـل والرعـب, وكانـت مناشـدتي لـكل مـن خاطبنـي
بالهاتـف, المسـاعدة فـي نقـل الجريـح النـازف, وأخبرتهـم بـأن يسـرعوا لنجدتنـا قبـل فـوات الأوان.
قلوب متحجرة
صـارت السـاعة العاشـرة, وأنـا والجنـدي المتحـرش والمتحفـز علـى بندقيتـه الجاهـزة للإجهـاز علـى الأحيـاء
فــي أي لحظــة أو عندمــا يريــد أن يشــبع غريزتــه فــي القتــل, أعــرف ذلــك وصرخــت بهــم «المــوت الآن
أصبـح الراحـة الكبـرى» ناديـت وبصـوت حزيـن مرتجـف ومسـموع «يـا تسـاهال إذا كنتـم متحضريـن أو
مــن فصيلــة أبنــاء آدم أو أحفــاد إبراهيــم ..إن «إبراهيــم» ولــدي يمــوت وقتلتــم ولــدي «كســاب» , وأمـري
مرهــون بأيديكــم إمــا أن تفعلــوا شــيئا أو أريحونــا», وكنــت أســمع إجابــة واحــدة «خلــي الأمبيولانــص
تجــي تاخدكــم».
ambulance
لقــد أيقنــت أن النهايــة قــد اقتربــت, وهاتفــي قــد قربــت بطاريتــه علــى النفــاذ, و تقطعــت بــي أســباب
التواصـل, وكنـت قـد قلـت أثنـاء مكالمتـي للجهـات الحقوقيـة أو التـي اهتمـت بالأمـر بعـد أن أبلغـوا مـن
قبـل الإسـعاف «بينـي وبيـن أكبـر مستشـفى فـي قطـاع غـزة أقـل مـن» 0001 متـر» أي كيلـو متـر واحـد,
ِ»....
إلا أن جبــروت الجنــود الإســرائيليين يأبــى إلا القتــل المتعمــد