الاستهداف الصهيوني للعائلات الفلسطينية في حرب الفرقان 2009م - page 148

148
قبـل الجريمـة بيـوم واحـد أبلغنـا بعـض السـكان الذيـن بقـوا فـي المنطقـة بـأن جنـود الاحتـ ل يطلقـون النـار
علــى الأبــراج الســكنية بشــكل مباشــر, وأكــدوا لنــا بأنهــم ســيغادرون المنطقــة قبــل أن تســتهدف بيوتهــم
الطائـرات والدبابـات, ومـا هـو إلا يـوم واحـد بعـد رحيـل بعـض الجيـران حتـى دخلـت الدبابـات الإسـرائيلية
إلـى منطقـة برشـلونة.
رائحة الموت
بـدأت حلقـات المـوت تتسـارع باتجـاه كل مـن يقطـن فـي منطقتنـا إثـر اشـتداد القصـف مـن قبـل طائـرات
الإف – 61، والأباتشـي وقذائـف الدبابـات, والأشـد مـن ذلـك هـي القذائـف الفسـفورية التـي كانـت تحـرق
كل مـا تجـده أمامهـا سـواء كان بشـر أم حجـر أم شـجر, حيـث قامـت الطائـرات بإلقـاء القنابـل المضيئـة
والتـي أنهـت ظـ م المنطقـة الدامـس بفعـل انقطـاع التيـار الكهربائـي.
وكنــا نتلفــظ الشــهادتين علــى أرواحنــا لحظــة بعــد الآخــرى, ونقــول ربمــا هــذا الصــاروخ سيســقط علينــا,
التـوأم واللتيـن لـم تتجـاوزا العاميـن إلـى حضنـي, وكان وزوجـي دائمـا بالقـرب منـي و َّ وكنـت أضـم ابنتـي
ًإ خوتـي, وقـد كنـا نجلـس كلنـا فـي غرفـة واحـدة، نترقـب مـا يحـدث ولـم نكـن نعـرف طعمـا�كذلـك أمـي و
للنــوم أو الراحــة.
وقبـل انتهـاء الحـرب الهمجيـة علـى غـزة بأيـام، نفـد الحليـب والطعـام منـا وخاصـة حليـب الطفلتيـن, ولأنـي
حامـل, قـرر زوجـي بـأن يذهـب بنفسـه لإحضـار الحليـب، لكـن والدتـي أصـرت علـى الذهـاب معـه لعـل
بيضـاء وانطلقـا, وقبـل خروجهمـا أوصانـي زوجـي بـأن ٍ الجنـود يرأفـون بحـال سـيدة مسـنة, فحمـ رايـات
أرعـى الطفلتيـن.
وبقيـت أراقبهـم مـن المنـزل, وكان زوجـي يتقـن اللغـة العبريـة فأخـذ ينـادى علـى الجنـود بصـوت عـال بأنـه
مدنـي وأنـه ذاهـب لإحضـار الحليـب لأطفالـه الجيـاع, ولكـن صـوت الرصـاص والقذائـف كان أعلـى مـن
صوتـه, فمـا عـدت أسـمع صوتـه، وكان الوقـت عصـرا.
ومضـى الوقـت وخيـم الظـ م فـازداد انشـغالي علـى زوجـي ووالدتـي اللذيـن تأخـرا، ولا أعـرف مـا حـل بهمـا
وسـط إطـ ق النـار الكثيـف, ولـم أعـد أتحمـل صـراخ الطفلتيـن.
مـرت سـاعات الليـل بصعوبـة ومـا أن طلعـت شـمس الصبـاح حتـى سـمعت أصـوات مكبـرات الإسـعاف,
ورأيـت النـاس فـي الشـارع فأدركـت بـأن جنـود الهمجيـة قـد انسـحبوا, فنزلـت إلـى الشـارع مسـرعة أبحـث
مـن النـاس مجتمعيـن بالقـرب مـن العمـارة, فتوجهـت نحوهـم لأعـرف ًعـن أمـي وزوجـي, لأجـد عـدد كبيـرا
مـا هنالـك ويـا ليتنـي لـم أقتـرب منهـم, فقـد وجـدت مـن أبحـث عنهـم مضرجيـن بدمائهـم والعلـم الأبيـض
بـغ لونـه بدمائهـم. ُ قـد ص
مـن والدهـن الـذي خـرج إلـى المـوت مـن أجـل بقائهـن علـى قيـد الحيـاة, وحرمـوا طفلـي َّ لقـد حرمـوا طفلتـي
الـذي لـم يـرى النـور مـن والـده, وحرمونـي منـه ومـن والدتـي التـي كانـت تحتضننـي فـي السـراء الضـراء».